لم يكن الكاتب فرانك باوم وهو يقدم رواية “ساحر أوز” سنة 1900 أنه يؤسس لفكر جديد في عالم التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي من خلال رجل الصفيح (أو الروبوت بالمصطلح الحالي)، توالت بعدها أعمال أدبية وسينمائية تزكي فكرة إمكانية وجود روبوتات تدرك ما حولها وتتفاعل مع الواقع من تلقاء “نفسها”.
شكلت هذه الأعمال تحفيزا حقيقيا لبعض الرياضيين والعلماء من أجل بلورة هاته الأعمال على أرض الواقع مثل عالم الرياضيات البريطاني آلان ماتيسون تورنغ الذي اكتشف في أوائل خمسينيات القرن الماضي الإمكانية الرياضية للذكاء الاصطناعي، لكن تطبيقها لم يكن ممكنا آنذاك نظرا لعدم ملاءمة أجهزة الكمبيوتر وقتها لتخزين الأوامر.
في سنة 1956 استطاع كل من ألين نيويل، وكليف شو، وهيربرت سيمون تصميم برنامج The Logic Theorist الذي اعتُبر حينها كأول برنامج للذكاء الاصطناعي.
في الفترة ما بين 1957 و1974، ازدهر مجال الذكاء الاصطناعي حيث أصبح بإمكان أجهزة الكمبيوتر تخزين المزيد من المعلومات وبطريقة أسرع وأسهل في الوصول إليها. كما تم تطوير خوارزميات التعلم الآلي.
هذه النجاحات أقنعت الوكالات الحكومية تمويل أبحاث الذكاء الاصطناعي في العديد من المؤسسات. كانت الحكومة مهتمة بشكل خاص بالآلة التي يمكنها نسخ وترجمة اللغة المنطوقة بالإضافة إلى معالجة البيانات عالية الإنتاجية.
في عام 1970، قال مارفن مينسكي لمجلة لايف: “من ثلاث إلى ثماني سنوات سيكون لدينا آلة تتمتع بذكاء يوازي ذكاء الإنسان العادي”. ومع ذلك، على الرغم من وجود الدليل الأساسي على المبدأ، إلا أنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل تحقيق الأهداف النهائية لمعالجة اللغة الطبيعية والتفكير المجرد والاعتراف بالذات.
في المقابل صرح هانز مورافيك، وهو طالب دكتوراه لمكارثي في ذلك الوقت، أن “أجهزة الكمبيوتر كانت لا تزال أضعف بملايين المرات من إظهار الذكاء”. ومع تضاؤل الصبر، تضاءل التمويل أيضًا، وأصبحت الأبحاث بطيئة لمدة عشر سنوات.
وفي ثمانينيات القرن العشرين، أعيد إشعال الذكاء الاصطناعي من جديد بفِعل مصدرين: التوسع في مجموعة الأدوات الخوارزمية، وتعزيز الأموال. قام جون هوبفيلد وديفيد روميلهارت بنشر تقنيات “التعلم العميق” التي سمحت لأجهزة الكمبيوتر بالتعلم باستخدام الخبرة. ومن ناحية أخرى، قدم إدوارد فايجنباوم الأنظمة الخبيرة التي تحاكي عملية اتخاذ القرار التي يقوم بها الخبير البشري. سيسأل البرنامج أحد الخبراء في مجال ما عن كيفية التصرف في موقف معين، وبمجرد تعلم ذلك في كل موقف تقريبًا، يمكن لغير الخبراء الحصول على المشورة من هذا البرنامج.
قامت الحكومة اليابانية بتمويل الأنظمة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير كجزء من مشروع كمبيوتر الجيل الخامس. وفي الفترة من 1982 إلى 1990، استثمروا 400 مليون دولار بهدف إحداث ثورة في معالجة الكمبيوتر، وتنفيذ البرمجة المنطقية، وتحسين الذكاء الاصطناعي. ولسوء الحظ، لم يتم تحقيق معظم الأهداف الطموحة. ومع ذلك، يمكن القول إن التأثيرات غير المباشرة للبرنامج ألهمت جيلًا شابًا موهوبًا من المهندسين والعلماء. وبغض النظر عن ذلك، توقف تمويل البرنامج، وخرج الذكاء الاصطناعي من دائرة الضوء.
ورغم غياب التمويل الحكومي، ازدهر الذكاء الاصطناعي حيث خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم تحقيق العديد من الأهداف التاريخية للذكاء الاصطناعي. ففي عام 1997، هُزم بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف أمام برنامج Deep Blue من شركة IBM، وهو برنامج كمبيوتر خاص بلعب الشطرنج. كانت هذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها بطل العالم في الشطرنج أمام جهاز كمبيوتر وكانت بمثابة خطوة كبيرة نحو برنامج صنع القرار بالذكاء الاصطناعي. وفي نفس العام، تم تطبيق برنامج التعرف على الكلام، الذي طورته شركة Dragon Systems، على نظام Windows. وكانت هذه خطوة عظيمة أخرى إلى الأمام ولكن في اتجاه مسعى ترجمة اللغة المنطوقة. يبدو أنه لا توجد مشكلة لا تستطيع الآلات التعامل معها. حتى المشاعر الإنسانية أصبحت ضمن دائرة الذكاء الاصطناعي كما يتضح من Kismet، وهو روبوت طورته سينثيا بريزيل يمكنه التعرف على المشاعر وعرضها.
نحن نعيش حاليا في عصر “البيانات الضخمة” “BIG DATA”، وهو العصر الذي نمتلك فيه القدرة على جمع كميات هائلة من المعلومات التي يصعب على أي شخص معالجتها. لقد كان تطبيق الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد مثمرًا بالفعل في العديد من الصناعات مثل التكنولوجيا والخدمات المصرفية والتسويق والترفيه. لقد رأينا أنه حتى لو لم تتحسن الخوارزميات كثيرًا، فإن البيانات الضخمة والحوسبة الضخمة تسمح للذكاء الاصطناعي بالتعلم من خلال القوة الغاشمة. قد يكون هناك دليل على أن قانون مور يتباطأ قليلاً، لكن الزيادة في البيانات بالتأكيد لم تفقد أي زخم. إن الإنجازات في علوم الكمبيوتر، أو الرياضيات، أو علم الأعصاب، كلها بمثابة مخرجات محتملة من خلال سقف قانون مور.
قد تبدو لغة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، وكأنها الخطوة الكبيرة التالية. لقد بدأ حاليا رؤية سيارات ذاتية القيادة على الطريق. وعلى المدى الطويل، الهدف هو الذكاء العام، حيث ستتفوق الآلة على القدرات المعرفية للإنسان في جميع المهام. وهذا على غرار الروبوت الواعي الذي اعتدنا على رؤيته في الأفلام.
لكن السؤال المطروح وبقوة، هل ستستطيع الأخلاقيات الإنسانية أن تكون حاجزا أمام هذا التطور المهول؟
إننا، في الوقت الحالي، في حاجة ملحة إلى نقاش جاد حول سياسة الآلة وأخلاقياتها حتى لا نفقد زمام الأمور والسيطرة.