في زمن أصبحت فيه المعلومة أغلى من الذهب، صار الحفاظ على البيانات أولوية قصوى بالنسبة للأفراد والمؤسسات على حد سواء. ضمن هذه الجهود، يبرز اسم BitLocker، أداة التشفير القوية المدمجة في أنظمة ويندوز، والتي تحظى بشهرة واسعة في المغرب كما في باقي دول العالم. لكن في المقابل، هذا الدرع الرقمي يضع فرق التحقيق الجنائي الرقمي أمام معضلة حقيقية حين يتعلق الأمر بقضايا قانونية أو جنائية.
يشتغل BitLocker على تشفير كامل القرص الصلب باستخدام خوارزميات AES-128 أو AES-256، وهما من أقوى معايير التشفير في العالم. خوارزمية AES (Advanced Encryption Standard) تعتمد على تحويل البيانات إلى صيغة مشفرة عبر مفاتيح رقمية يصعب كسرها، حيث يستخدم AES-128 مفتاحًا طوله 128 بت، بينما يعتمد AES-256 على مفتاح بطول 256 بت، ما يجعله أكثر قوة من حيث صعوبة الاختراق لكنه يتطلب قدرة حوسبية أكبر.
لتخزين وحماية مفاتيح التشفير، يعتمد BitLocker غالبًا على شريحة TPM (Trusted Platform Module)، وهي قطعة إلكترونية صغيرة مدمجة في اللوحة الأم للحاسوب. هذه الشريحة تعمل كمخزن آمن للمفاتيح والبيانات الحساسة، وتضمن أن عملية فك التشفير لا تتم إلا إذا تم التحقق من سلامة مكونات الجهاز وبرمجياته. بعبارة أخرى، الـTPM بمثابة حارس رقمي يمنع أي محاولة لتجاوز الحماية حتى لو تمت إزالة القرص الصلب وتركيبه في جهاز آخر.
عندما يعثر المحققون على قرص مشفر بـ BitLocker أثناء التحقيق، فإن أدوات النسخ الجنائي، مثل جهاز Tableau TD3 المعروف بين المختصين، تقوم بنسخ محتوى القرص بدقة تامة، لكنها لا تفك التشفير. النتيجة تكون نسخة طبق الأصل، لكنها مشفرة بالكامل، وبالتالي غير قابلة للقراءة إلا بتوفر المفتاح أو بيانات الدخول.
في الممارسة الميدانية، يلجأ خبراء الأدلة الرقمية في المغرب والعالم إلى أساليب قانونية للوصول إلى البيانات، من بينها استرجاع مفتاح الاسترداد من حساب مايكروسوفت أو من خوادم الشركة بالنسبة للأجهزة التابعة لمؤسسات، أو القيام باستحواذ حي عندما يكون الجهاز مشغَّل ومفتوح، لنسخ البيانات وهي مفككة التشفير، أو تحليل ذاكرة الوصول العشوائي (RAM) للعثور على مفاتيح التشفير المؤقتة، إضافة إلى البحث في ملفات السبات أو الترحيل التي قد تحتوي على بيانات حساسة للمفاتيح.
التشفير سلاح ذو حدين، فهو يحمي المستخدمين من القرصنة، لكنه قد يعطل مسار العدالة إذا استُخدم لإخفاء الأدلة. ولهذا، يشدد الخبراء على ضرورة احترام الإطار القانوني عند التعامل مع البيانات المشفرة، مع الاستثمار في تدريب فرق التحقيق على أحدث التقنيات، حتى تكون قادرة على التعامل مع هذا التحدي دون المساس بحقوق الأفراد.
BitLocker مثال حي على الصراع القائم بين متطلبات الأمن وحماية الخصوصية من جهة، وضرورة الوصول إلى المعلومات لخدمة العدالة من جهة أخرى. وبينما يتطور المشهد الرقمي، سيظل هذا التوازن تحديًا مفتوحًا أمام الجميع، من المبرمجين، إلى المحققين، وصولًا إلى المشرعين.