اللغة العربية إحدى اللغات السامية وأكثرها تحدثا وانتشارا في العالم. ولها صلة وثيقة جدا بولايتنا كيرالا الخضراء منذ قرون، لأن هذه المنطقة المسماة بكيرالا أو بمليبار الهندي تتمتع بروابط التجارة الدولية مع العالم العربي وتاريخ العلاقات التجارية للمنطقة تعود إلى عهد النبي سليمان عليه السلام. وتراث مسلمي هذه المنطقة يضرب جذوره عميقا في تاريخ اللغة العربية وآدابها وفنونها المتعددة الجميلة، وعاداتها المتنوعة التي تتسم بالحب والتراحم والتفاهم والقبول منذ ذلك العهد.
ولأن الموقع الجغرافي لولاية كيرالا مناسب لازدياد هذه الصلة الوثيقة يوما بعد يوم بالعالم العربي نظرا إلى وقوعها على شاطئ البحر العربي، ونظرا إلى أن صلة مسلمي كيرالا بالعالم العربي وبلغته الجميلة صلة روحية متجددة. وهذه الصلة الروحية ترجع في الأساس إلى كتاب الله ومبادئه السمحة.
وقد بدأت تنتشر اللغة العربية في الديار المليبارية مع انتشار الدين بين الناس كما انتشرت في البلدان المجاورة والنائية، ولأن الإله اختار هذه اللغة وعاء لكتابه العزيز الذي تعهد بحفظه إلى قيام الساعة، وبالتالي هذا يكون وعدا بحفظ هذه اللغة المباركة أيضا. هكذا انتشرت اللغة العربية في جميع البلدان في وقت أقلَّ حيث تقبلها الناس وتفاعلوا معها وتأثروا بها تأثرا إيجابيا؛ وإني لا أتطرق هنا إلى الأبعاد الثقافية المعاصرة، فحسب، وإنما أشير إلى أثر هذه اللغة في اللغات الناطقة في كل بقعة بالعالم بمفرداتها الكثيرة وأساليبها الجميلة ومحسناتها البلاغية البديعية وثقافتها الدينية السمحة. ويمكن لنا القول هنا بأنها أصبحت سببا في ولادة لغة جديدة مستقلة في الهند، ألا وهي لغة أردو. وهذه اللغة أيضا من ضمن اللغات الكثيرة التي تكتب بالأبجدية العربية.
ولاية كيرالا ولاية صغيرة تقع بأقصى جنوب الهند على ساحل مليبار الهندي. وهي تتميز بطبيعتها الجغرافية الجميلة الخلابة عن سائر الولايات الهندية التي انتشرت العربية فيها أيضا على أيدي التجار العرب في توقيت دخول الإسلام إلى ولايتنا كيرالا لأننا كنا أحد طرفي التجارة، وخاصة تجارة البهارات والأخشاب والعقارات والأسلحة والعطورات وما إلى ذلك من الأشياء الكثيرة النفيسة. ونظرا إلى التبادل الثقافي وتقارب التفاهم المتبادل بين شعوب هذه المنطقة ذات الهويات والميول المختلفة، وفي هذه الأثناء أدت اللغة العربية دورا هاما في إثراء الهوية الدينية والاندماج الاجتماعي والتمثل الثقافي المتميز.
تحتل ولاية كيرالا المرتبة الثانية في العالم من حيث عدد تعليم معاهد اللغة العربية والعاملين في سلك تدريسها إذ إن أكثر من تسعمائة ألف طالب وطالبة يتوجهون إلى المعاهد الدراسية لتلقي الدروس العربية التعليمية المصممة وفقا لمناهج تعليم العربية للناطقين بغيرها في الصفوف من 1 إلى 10. ويدرس أكثر من مائة ألف طالب وطالبة في المستوى الثانوي العالي. وكذلك توجد هنا اثنتا عشرة كلية رسمية تعتمد العربية كلغة أساسية للتدريس، وتسعة وعشرون كلية ذاتية الحكم بدون أي مساعدة من قبل الحكومة بينما تعتمد على تبرعات الأفراد.
عشرات الآلاف من الطلاب يدرسون في هذه المعاهد التعليمية دورة ما بعد التخرج باللغة العربية وفي اثنتي عشرة كلية أخرى يدرسون للبكالوريوس والماجستير في الأدب العربي. جميع هذه الأرقام لمن يتلقون التعليم العربي الرسمي هنا في كيرالا. أما الذين يتعلمونها بشكل غير رسمي في مدارس المساجد وغيرها من المعاهد الخاصة فكثير، وليس هنا مجال لتقييم الجودة التعليمية للغة العربية بهذه المعاهد والمدارس.
ولا شك أنه كانت هناك تحديات كثيرة واجهها المسلمون عامة وطلبة اللغة العربية خاصة بشأن عملية إدراج اللغة العربية في المناهج الدراسية العامة الحكومية. ولا أريد أن أطيل الكلام عمن دافع عن حق اللغة العربية وتعلمها في المدارس الحكومية بكيرالا. وهذا موضوع طويل وعريض جدا يحتاج الكثير من الصفحات، ذلك بأن تدريس اللغة العربية وتعليمها وضعت أمامه عراقيل كانت وراءها الحكومة الشيوعية الحاكمة يومذاك، لأن الحملات التي أطلقتها تلك الحكومة ضد تعليم العربية رسميا في المعاهد الحكومية الهندية، بما في ذلك المدارس والكليات والجامعات كانت شديدة، ولاقت قبولا من المؤيدين لهذه الحكومة المتحاملة عليها يومذاك ظنا منها بأن هذه اللغة لغة فئة أو طبقة خاصة وهم يكتسبون من تدريسها منافع ويستغلون ما لا يستحقونه من خلال تعليمها في المدارس الحكومية.
ولكن دافع رئيس وزراء ولاية كيرالا يومذاك السيد / سي أتش محمد كويا (C. H. Mohammed Koya) عن رفع هذه الاعتداءات الصارخة التي تعرضت لها اللغة العربية على أيدي مناصري الشيوعية بتدبيره واستراتيجياته السياسية المتفردة وكياسته العالية المتميزة. وذلك حينما قام هذا الرجل الحكيم بتعميم لغة الضاد مع لغتين هنديتين أخريين “الأردوية والسانسكريتية”. فأصبحت اللغة العربية لغة رسمية تتمتع بكل ما تتمتع به اللغات الأخرى من الحقوق لدى من يحب دراستها في كيرالا.
وقبل أن ننتهي من هذه المقالة الوجيزة المتواضعة لا يحق لنا إلا أن نتذكر بعض الذين استشهدوا بإطلاق نار على أيدي بعض رجال الشرطة الغاضبين عليهم، إنهم شهداء إحياء هذه اللغة العربية المباركة التي نزل بها القرآن، فلا يجب أن ننساهم أبدًا؛ فهم شهداء يتلألؤون في سماء لغتنا العربية في كيرالا. طوبى لهم لتضحيتهم من أجل لغة الضاد الجميلة.