أوراق اسكندنافيا
2- جائزة نوبل للنرويجيين للمرة الرابعة

أحمد الشريف
قاص وروائي مصري .

بعد تلقيه خبر فوزه بجائزة نوبل للآداب من لجنة الجائزة في استكهولم يعود “يون فوسه” إلى بيته. يدق التليفون مرة ثانية، وثالثة ورابعة؛ فيتمتم “فوسه” بصوته الهادئ: إزعاج كثير في هذا اليوم !
علقت الصحف النرويجية هكذا: أخيرًا حدث . “فوسه” كان من المرشحين الأوائل لجائزة نوبل للآداب منذ العام 2001 ، وأخيرًا توج بالجائزة لإنجازه في مجال الدراما والنثر، وسوف يستمر كي “يمنح صوتًا لما لا يمكن قوله “، وفق ما جاء بحيثيات منح الجائزة.
ولد “يون فوسه” في هوجيسوند Haugesund ونشأ في “ستاند بارم” Strandebarm وكتب أن “ينس بيورنبو” Jens Bjørneboe هو من قاده إلى الأدب في أوائل مراهقته – ينس بيورنبو ساتوقف عنده لاحقًا – انتقل “فوسه” إلى مدينة بيرجن Bergen ودرس في الجامعة، وحصل على شهادة أعلى من الماستر في الأدب، كما درس الاجتماع والفلسفة.
في العام 2015 منح الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرجن. كتب ويكتب “يون فوسه” بلغة تسمى نينوشكNynorsk هذه اللغة كانت تسمى اللغة الوطنية حتى 1929، وهى إحدى اللغتين الرسميتين التى تم اعتمادها في مايو 1885 وتركز على اللهجة النرويجية الحديثة واللغة الوطنية القديمة، على عكس البوكمول Bokmål التي اعتمدت على اللغة الوطنية، التي بدورها ارتكزت على اللغة الدانماركية. “البوكمول” هذه يكتبُ ويقرأ بها معظم الشعب النرويجى ومعتمدة في وسائل الإعلام والصحافة وسائر مؤسسات مملكة النرويج، أما لغة “فوسه” فمستخدموها ما بين 10 إلى 15 بالمائة. “فوسه” الآن يقيم فى إقامة شرفية للفنانين تسمىGrotten جوار حديقة القصر الملكي، وهذا تقليد نرويجي قديم لتقدير الفنانين. كتب فوسه نحو سبعين عملًا ما بين الرواية والقصة القصيرة والشعر والنصوص المسرحية والمقالات، وترجمت أعماله لأكثر من خمسين لغة.
قال “فوسه” بعد حصوله على الجائزة: إنه “سعيد جدًّا وخائف قليلًا” وقد علقت محررة كتب “فوسه” سيسيليا سيناس- تحرر كتبه منذ عشر سنوات – في اتصال مع جريدةDagbladet النرويجية، إنها سعادة لا تصدق، وشيء مذهل. وأضافت أن فوسه يكتب منذ أربعين عامًا بكل وسائل التعبير المختلفة، وأن هذه النصوص الرائعة سوف يقرأها المزيد من الناس الآن، هذه جائزة لأدب ذي جودة عالية، وقالت أيضًا إنها لم تتكلم مع “فوسه” للآن، لكنها تعتقد أنه لم يتفاجأ كثيرًا غير أنه سعيد جدًّا بالتأكيد . وفى حوار مع الإذاعة والتلفزيون النرويجى قال “فوسه”: إن الجائزة اعتراف وتعبير عن الشكر، وإنه سيستمر في الكتابة، لكن الجائزة لن تضيف شيئًا فيما يخص الكتابة، وإن له جذورًا ثابتة، فقد بدأ الكتابة في عمر الثانية عشر، والآن يبلغ الرابعة والستين، لكن ما لا أحبه أنه سيكون هناك اهتمام كثيرًا بي كشخص .
وقد حدث ما لا يحبه بعد الاهتمام الكبير به والتبريكات والتهاني من أفراد ومؤسسات المجتمع النرويجي، ومنهم رئيس الوزراء الحالي “يوناس جار استورا”، ورئيسة الوزراء السابقة. لكن على الجانب الآخر هناك من هو غير راضٍ على حصول “يون فوسه” على الجائزة. وقد علق رئيس القسم الثقافى بجريدة إكسبريس Express السويدية فكتور مالم Victor Malm أن جائزة نوبل للآداب ذهبت إلى النرويجي الخطأ. وأن الكاتب الكبير داج سولستاد Dag Solstad أكثر خصوصية وظرفًا وفكاهة وأصالة من فوسه .
وقد دخلت تريسا بيورنبوعلى الخط، هى ابنة أحد أساطير الأدب النرويجى الذي تأثر به فوسه في بداية حياته، كما ذكرت سابقًا، Jens Bjørneboe – انتحر-1976، هي كذلك زوجة “داج سولستاد”، والذي رُشح أكثر من مرة للجائزة ، تعليقًا على ما قاله فكتور مالم، أنه ذكر بحق واستحقاق “داج” للجائزة بدلًا عن “فوسه”، وأنه تحدث بكلمات رائعة عن أدب “داج سولستاد”، وأن اسم “داج” كان يرفرف في الهواء لمدة طويلة حول جائزة نوبل للآداب، وأن الحديث كثر فى السنوات الأخيرة عن ذلك، لكن “داج” لم يترك نفسه تتأثر بهذا، والموضوع عبارة أو أشبه بسحب ورقة يانصيب.
وبالمناسبة ليس “داج سولستاد” من يستحق الجائزة فقط في النرويج، بل أيضًا يستحقها صاحب رواية “عالم صوفي” الكاتب الشهير يوستين جوردر Jostein Gaarder ، والكاتب انجفار امبيورنسن، وكذلك روي ياكوبسن، وهؤلاء لهم تاريخ أدبي كبير وأيضًا شعبية طاغية، وقد تحولت أعمالهم إلى أفلامٍ ومُسرحت رواياتهم وتُرجمت أيضًا إلى العديد من اللغات، ونالوا الجوائز.. إلخ. فالموضوع فى جزء كبير منه، وكما قالت “تريسا بيورنبو” سحب يانصيب. مع ذلك فهناك احتفاء كبير بحصول “فوسه” على الجائزة، خاصة وهي المرة الرابعة التي يحصل عليها كاتب نرويجي، المرة الأولى كانت في 1903 وفاز بها الشاعر والكاتب “بيورنسون” صاحب كلمات النشيد الوطني النرويجي ” نعم، نحن نحب هذا البلد” ، وفي العام 1920 استحقها عن جدارة الكاتب العظيم “كنوت هامسن”، أما في العام 1928 ففازت بها الكاتبة “سيجري أونست” . أي أن “فوسه” حاز عليها بعد مضي ما يقرب من خمس وتسعين عامًا، بعد آخر مرة من حصول “سيجري أونست”.
وكي لا نغفل التكنيك والجماليات في أعمال “فوسه”، والتي لعبت دورًا كبيرًا بحصوله على الجائزة، نسرد ما قاله وذكره العديد من النقاد والباحثين والقراء أيضًا: إنه كشاعر تمتاز قصائده بالبساطة، قصائد عارية، مفتوحة، يستخدم ويوظف فيها إيقاع ونغمات أغاني الأطفال والأحاجي والتراتيل، ويخلق شعره تنبيهًا فوريًّا للأصوات والأسرار، إن أبسط المشاعر من الوحدة إلى الحب، تكتسب في قصائده إحساسًا جديدًا .
أما كتاباته الروائية والقصصية والمسرحية ، فتحكي عن البشر مختلفي التوجهات والمشاعر، يكتب عنهم ببساطة وحميمية ونبرة صوت منخفضة وتكثيف بالطبع. فرواية ” صباح ومساء ” مثلًا ، رواية قصيرة ، تدور حول الميلاد والموت والحياة البشرية القصيرة ، وكما هو الحال في جُل كتابات فوسه، هناك القليل من الفعل الخارجي مع الكثير من الصمت والمونولوجات الداخلية والحوارات القصيرة، كما يلعب الإيقاع، الفواصل، علامات الاستفهام والنقط، دورًا مهمًا في رؤية وتكنيك “يون فوسه”.
وأخيرًا أنهي إطلالتي هذه بكلمات “فوسه” في الجريدة النرويجية العريقة Aftenposten قال: “لقد عِشتُ كاتبًا فقيرًا .ولا أفكر الآن في تغيير هذا ”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.