هناك لحظات فارقة في حياة الأفراد والشعوب وكذلك في حياة الأوطان. تلك اللحظات التي تقترن فيها الأقوال بالأفعال وحيث لا مجال للمجاز.
” بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك”.
يقولها الجندي المغوار ويده على الزناد في كل المواقع والتخوم، حماية للوطن، ويقولها المغاربة في جبهة الحرب على الوباء في صمود وتضحية. وها هم المغاربة اليوم يرفعون التحدي في التحام بطولي بين القمة والقاعدة، في وجه الزلزال المدمر الذي ضرب قلب المغرب الشامخ في عمق الأطلس الأشم.
” بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك”.
لقد ظن كل الحاقدين والمتربصين، أن الزلزال كفيل بالنيل من عظمة هذا الشعب. فشمت البعض وانتظر البعض الآخر بوادر ضعف لينضح بما في دواخله من غل وسم، وهب الصديق والشقيق صادقا لرد الجميل. ولكن تلك الحقيقة الساطعة بقيت وستبقى خالدة. لا يصح إلا الصحيح. فالمغرب كفيل بنفسه. الشعب قيادة وقاعدة، بقواته المسلحة المختلفة ومؤسساته وبنياته الانتاجية وتنظيماته المدنية وشبابه وكل فرد من أفراده، قادر على إدارة هذه المعركة أيضا وببسالة وإيمان عميق بقدر الله، من أجل الوقوف وقفة رجل واحد من أجل الانتصار مجددا والبرهنة مجددا أن المغرب لا تقهره المحن بل تزيده دروسا وصلابة وعبرة وقوة.
” بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك”.
لم تمض 24 ساعة على الزلزال حتى انتظمت المقاومة ضد هذه الضربة الزلزالية التي فاقت في عنفها وقوتها قوة عشرات القنابل النووية مجتمعة. مقاومة قادتها، وبتنسيق مع كل القطاعات الأخرى، القوات المسلحة الملكية تحت قيادة قائدها الأعلى من أجل النجدة والاسعاف والإغاثة وفك العزلة وإجلاء الجرحى وتقديم العلاجات الميدانية في المناطق الوعرة التي دمرها الزلزال.
” بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك”.
هكذا انتظمت، في أروع ملحمة تضامنية شعبية في العالم، سلاسل الدعم والتضامن والامداد شرايين حياة في جسد الوطن الواحد لتمد الأطلس الشامخ المجروح بدماء ودفء الوطن الكبير. من طنجة إلى الكويرة، ومن الشرق إلى الغرب وفي كل مدينة وقرية، بل وفي كل حي وشارع تنتصب قوافل شاحنات الإمداد المحملة بكرم أبناء هذا الشعب الكريم المعطاء، لتنطلق مواصلة الليل بالنهار والوجهة واحدة؛ مدن وقرى الاطلس المجروح من أجل تضميد الجراح ومسح الدموع والحفاظ على كبرياء المغربي والمغربية في جبال الأطلس الشامخ معلنة كلمة الشعب المدوية: المغرب كفيل بشعبه ولا لأي إعانة مغموسة في مرق الشماتة والحقد والتآمر والعنجهية الاستعمارية البائدة.
” بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك”.
هكذا نستطيع أن نقول ومنذ اليوم أن عمق المغرب في باديته. معين كرم وقيم وصدق المغرب الأصيل. خزان المغرب وعمقه الاستراتيجي، وجسر الشعب نحو المستقبل. ولقد آن أوان هذه المعركة. معركة تأهيل البادية المغربية ببنيات تحتية تليق بكل مغربي ومغربية.
أكان لزاما علينا أن يذكرنا الزلزال الكبير بعد قرن، بحلم كبير؛ حلم الطريق السيار الكبير مخترقا الوطن من الكويرة وكل الأطلس الصغير والمتوسط والكبير وقلب الشمال من مغارة هرقل حتى مشارف الشرق في أنجاد.
لقد آن أوان عمق المغربي المنسي، لقد أن أوان البادية المغربية.