أوراق الكاتب أحمد الشريف حول أدب اسكندنافيا
(1) أن ترى نفسك في كتابات الآخرين.
أحمد الشريف
قاص وروائي مصري .
ينتمي الكاتب الفنلندي” يوها إيتكونن” – يعد الآن نجما واسما بارزاً في مسيرة النثر الفنلندي- إلى أجيال وكتاب ساهموا في تاريخ النشر الفنلندي والعالمي. نذكر من هؤلاء (أينولاينو) الذي أصدر حوالي 30 مجموعة شعرية، وعددا من المسرحيات والروايات والقصص القصيرة، يعتبر أشهر شاعر فنلندي في القرن العشرين (1878 – 1926)، و(فاينولينا) صاحب رواية” الجندي المجهول 1954″، أحد أروع الروايات عن الحرب. وله أيضا ملحمة من ثلاث مجلدات تدعى” تحت النجم القطبي” التي تصف تقلبات الأوضاع لدى عائلة مزارع فنلندي، نشرت خلال السنوات 1959- 1962. أيضا (فايومارى) صاحب النهج الخاص والتجديدات الأسلوبية والبنائية التى أخذته بعيدا عن تيار النثر الفنلندي التقليدي، منح في 1973جائزة الأدب التى يقدمها المجلس الشمالي للأدب، أو مجلس الدول التى يقدمها النوردية وتعد أرفع جائزة في دول الشمال واسكندنافيا، بعد جائزة نوبل، نذكر كذلك الكاتب الشيخ (فرانس إميل سيلانيا1888 – 1964) الحاصل على جائزة نوبل 1939. أخيرا وليس آخرا، الكاتب المعروف عندنا في مصر، أعنى (ميكافالتارى) صاحب رواية المصري أو سنوحى والتي تحولت إلى فيلم، وترجمت إلى عديد من لغات العالم. أذكر هؤلاء الكتاب وهناك غيرهم، لأوضح أن كاتبنا “يوها إيتكونن” رغم صغر سنه- ولد عام 1975، له الآن أربع روايات، عمل في فرقة روك، وصحفي، وكاتب عمود، عمل أيضا في المسرح – لم يصبح اسما من فراغ، فخلفه تراث عريق، إضافة إلى موهبته بالطبع. أما عن روايته الأخيرة” سبعة عشر” والتي لاقت صدى قويا، فهي تطرح عدة إشكاليات في مضمونها، 1- العلاقة الأزلية بين الأدب والحياة 2- الشباب والأحلام والرغبات 3- تناول الكاتب شخصيات الآخرين في كتاباته.
طرحت تلك الأفكار وغيرها بتكنيك مميز، سواء من حيث السرد والحكي الذي يأخذك للأمام، أو التشويق وتعدد النغمات والأصوات، إضافة للحظات الفارقة ووصف المشاهد الغريبة والحميمية في حياة الأشخاص. البعض قال إن هذه الرواية عن الكتاب الذين يسرقون حياة الآخرين ويقتلون بالكلمة. ذلك النقد أو التعليق يذكرنا بكلمات لإحدى شخصيات الكاتبة الأيرلندية “أدنا أوبريان” في ” يوميات زوجة غير مخلصة”، – ” كونه كاتبا هو بالتأكيد ما دفعه لصحبتي، إنهم يمتصون الآخرين ثم يضعونهم على الورق ويقضون عليهم قضاء مبرما”
لكن هل حقا، الكتاب بهذه القسوة؟ وإنهم يسرقون حياة أو حيوات الآخرين ويقتلونهم بالكلمة؟ قبل أن نجيب أو نتحاور، يجب أولا، أن أعرض بعض الخطوط العريضة في الرواية” سبعة عشر”
يعمل “هنريك” صيفا، في مركز للتسوق، يقع في نفس المدينة الصغيرة التي نشأ فيها، وهو طالب في المرحلة الثانوية، يحب ويسمع فرقة الأبواب، يشرب البيرة مع أصدقائه على الشاطئ، عنده حبيبة، وحلم كبير أن يصيح يوما كاتبا. بعد عشرين عاما من هذا التاريخ، وبعد انتقاله إلى مدينة أكبر، وترسيخ نفسه ككاتب، أصدر رواية تحكى عن مركز التسوق ذاك، وعن عمله وأصدقائه وحبيبته أو حبيباته السابقات، وعلاقاته القديمة المختلفة. حكى في الرواية عن فتاة من الفتيات اللائي عمل معهن، الفتاة (فيسكو) التي لاتزال تعمل في نفس المركز وتعيش في نفس المدينة. (فيسكو) بعد أن قرأت رواية (هنريك) لم تحبها أو بالأحرى لم تحب” أكاذيبه” في الرواية والطريقة التى وصفها بها ووصف زملائه
تلك بعض الخطوط العريضة في الرواية. والتيمة الأبرز، علاقة الأدب بالحياة، وكيفية توظيف أو استخدام الأشخاص والمكان في كتابة عمل أدبي ثم كيف يرى الأشخاص أنفسهم داخل العمل؟ الإشكالية في رواية ” سبعة عشر” أن من كتب عنهم أحياء ولم يحبوا الرواية وطريقة الكاتب. لكن هل فكر الكاتب في كل هذا قبل أن يكتب روايته؟ بخصوص علاقة الأدب والحياة بصفة عامة، أعتقد أنه أصبح من البديهي الإقرار بتلك العلاقة الوثيقة والأبدية مع الاعتراف أن الفن له “واقع خاص” بمعنى أن ما نسميه واقعا في العمل الفني ليس إلا الصورة الذهنية التى لدى الكاتب أو الفنان عن الحياة، ولما كانت هذه الصورة ملك للكاتب فيستطيع أن يلونها باللون الذي يريده والذي فيه مصلحته ومصلحة مجتمعه، بتعبير الكاتب” سيمونوف”.
ومع ذلك يمكننا أن نسأل هل يجب أن يضع الكاتب في اعتباره مشاعر وآراء من يكتب عنهم، خاصة إذا كان ما يكتبه عملا روائيا أو قصصيا يعتمد الخيال وتغيير وتركيب الشخصيات والأماكن معا؟ أتذكر أن أحد الكتاب قال أنه أراد أن يصف أحد الأوغاد الذين التقاهم في الحياة، أراد أن يصفه بوصف ينفر الناس منه، لكن ما حدث بعد ذلك، أن هذه الشخصية تحديدا جلبت التعاطف من القراء والنقاد.
إذن نحن أمام قانون خاص، إنه قانون وميكانزم العمل الفني- أتكلم عن الأعمال الجيدة بالطبع- حتى لو أراد الكاتب شيئا، فالعمل الفني سوف يحكم في النهاية.
وفلو افترضنا أن الكاتب تعمد أن يصف أشخاصه بكل ما هو سيئ، فهذا أيضا لا يعنى شيئا عند الحكم على عمل فني. فكرة الأخلاق والأمانة في النقل ومراعاة مشاعر الآخرين لا تنطبق على الفن. ألم يقل كروتشي أن الاخلاق هي مثل علم الهندسة غريبة على الفن وذكر وايلد رأيه قائلا ليس ثمة كتاب أخلاقي أو لا أخلاقي، بل هناك كتبا جيدة التأليف وأخرى رديئة التأليف وهذا كل ما في الامر.
السؤال هكذا، هل هذ العمل جيد أم لا. لو عدنا إلى رواية “سبعة عشر” نجد أن إحدى شخصياتها، أخذت رد فعل مختلف، عما كتب عنها، لقد قررت أن تلتحق بورشة أو كورس لتعلم الكتابة، كي تستطيع أن تكتب وتعبر عن حياتها السابقة واللاحقة من وجهة نظرها هي، خاصة وهي لديها طفل في العاشرة.
الموضوع شائك ومشوق ويفتح الباب للعديد من الآراء المختلفة.