المسبح البلدي بمكناس… “شاطئ الفقراء” بين رمزية التاريخ ومخاطر الإهمال
الجهوية الجديدة - مكناس
وسط المدينة العتيقة لمكناس، وفي ظل حرارة الصيف التي لا ترحم، لا يزال المسبح البلدي، أو كما يُطلق عليه محليًا لابيسين مينيسيبال، يشكل ملاذًا شعبياً للفئات محدودة الدخل. منذ افتتاحه سنة 1928، خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ظل هذا المسبح يُمثل أكثر من مجرد مرفق ترفيهي؛ فقد صار رمزًا للعدالة الاجتماعية في الولوج إلى الفضاءات العمومية، وواحدًا من آخر “شواطئ” أبناء الطبقات الشعبية في الداخل المغربي.
ثمن ولوج المسبح لا يتجاوز 5 دراهم، وهو مبلغ زهيد في زمن بات فيه الترفيه الصيفي خارج متناول العديد من الأسر. إلا أن هذا السعر المنخفض لا يعكس بالضرورة جودة الخدمات أو احترام شروط الصحة والسلامة. فالمجلس الجماعي الذي يتولى تدبير المرفق لا يؤدي مقابل استهلاك الماء، باعتبار أن تعبئة المسبح تتم من منبع طبيعي يُعرف بـ”العين الصافية” أو “العين الزرقاء”، وهو مصدر مائي عذب مخصص للشرب والاستحمام.
لكن مع التوافد الكبير خلال أشهر الصيف، تصبح مياه المسبح بيئة خصبة للتلوث، لا سيما في غياب أي نظام حديث لتصفية المياه أو مراقبة جودتها. مصادر محلية أفادت أن المياه تتحول إلى عكرة في نهاية اليوم، ما يثير مخاوف صحية لدى مستعملي المسبح، خاصة في ظل شكايات غير معلنة عن ظهور التهابات جلدية أو أمراض موسمية.
لا تقف الاختلالات عند الجانب الصحي، بل تمتد إلى الوضع الأمني داخل المسبح. في شهادات استقتها الجريدة من بعض المرتادين، أشار عدد منهم إلى تكرار حوادث سرقة ملابس وهواتف ونقود، من طرف أشخاص يتسللون إلى المسبح لا بهدف السباحة، بل للسطو على أغراض الآخرين. بعض الزوار صاروا يفضلون السباحة بملابسهم تجنبًا لسرقتها، في مشهد يعكس تدهور شروط الاستعمال وخرق قواعد النظافة العامة.
كما أُثيرت مسألة “الزوايا المظلمة” في المسبح، حيث تكثر بعض التصرفات غير الأخلاقية، في غياب تام للمراقبة أو الحضور الأمني الكافي، مما يطرح تساؤلات حول مدى جدية السلطات الجماعية في ضبط الفضاء وحمايته كمرفق عمومي يُفترض أن يخضع لضوابط وقوانين واضحة.
الاكتظاظ الشديد الذي يشهده المسبح البلدي لا يرتبط فقط بشهرته أو موقعه المركزي، بل يتعزز أكثر بسبب إغلاق عدد من المسابح الجماعية الأخرى بالمدينة، مثل مسبح السلم، الزويتينة، والمسبح البلدي لجماعة تولال، دون تقديم مبررات واضحة لهذا التوقف. وضعٌ يفتح المجال للتساؤل حول مدى عدالة توزيع المرافق العمومية وضمان حق الساكنة في الولوج إلى خدمات ترفيهية تراعي الكرامة والعدالة المجالية.
لا يمكن الحديث عن المسبح البلدي لمكناس دون التوقف عند رمزيته التاريخية، كموقع ظل، على مدى قرن تقريبًا، شاهداً على تحولات المدينة وتغير تركيبتها الاجتماعية. غير أن هذه الرمزية تبدو اليوم مهددة أمام الإهمال وتراكم الاختلالات، ما يجعل من إعادة تأهيل المرفق ضرورة ملحة، وليس خيارًا ثانوياً.
المسبح البلدي بمكناس يمثل قصة متشابكة بين التاريخ والهوية الشعبية من جهة، وواقع التدبير المحلي والهشاشة الاجتماعية من جهة ثانية. تحقيق شروط الأمن والنظافة والصيانة ليست ترفًا، بل مسؤولية جماعية تقع على عاتق السلطات المنتخبة، حفاظًا على ما تبقى من عدالة اجتماعية في مدينة تُعاني من محدودية العرض الترفيهي العمومي.