رغم أن محافظة السويداء تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن المواجهات المباشرة مع إسرائيل، إلا أن التطورات المتسارعة في الجنوب السوري أعادت تسليط الضوء على هذه المنطقة التي تكتسب أهمية خاصة في الحسابات الإسرائيلية، سواء من الزاوية الأمنية أو الجيوسياسية. ففي ظل تصاعد التوترات الداخلية وتنامي المطالبات بالحكم المحلي، تطرح تساؤلات عميقة حول موقع السويداء في استراتيجية تل أبيب الإقليمية، ومدى ارتباطها بما يُعرف بـ”مشروع الشرق الأوسط الجديد”.
تقع السويداء جنوب شرق دمشق، وتقترب حدودها الغربية من الجولان السوري المحتل، مما يجعلها في صلب الاهتمام الإسرائيلي، خصوصًا مع تفكك مركزية الدولة السورية وضعف سيطرة دمشق على المحافظات الطرفية. هذا القرب الجغرافي يعزز خشية إسرائيل من تحول السويداء إلى منصة عسكرية أو ممرٍ محتمل لأي نفوذ معادٍ، سواء من قبل إيران أو مجموعات محسوبة على “حزب الله”. وقد رُصدت في الأعوام الماضية غارات إسرائيلية استهدفت مواقع داخل المحافظة، في إطار استراتيجية “منع التموضع الإيراني” التي تنفذها تل أبيب بشكل ممنهج في عموم الجنوب السوري.
غير أن البعد الأمني ليس وحده ما يفسر اهتمام إسرائيل المتزايد بهذه المنطقة. فمنذ سنوات، يتداول بعض المفكرين الإسرائيليين اليمينيين أطروحات تدعو إلى بناء “تحالف أقليات” في المنطقة، يضم الدروز والأكراد والمسيحيين، كركيزة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية بما يتناسب مع مصالح إسرائيل. وضمن هذا السياق، يبرز موقع السويداء باعتبارها منطقة ذات غالبية درزية، يُنظر إليها كحاضنة محتملة لكيان شبه مستقل أو منطقة ذات إدارة ذاتية، تكون حليفة أو على الأقل غير معادية.
هذا التوجه يجد ما يعززه على أرض الواقع، في ظل ما تشهده السويداء من حراك اجتماعي متصاعد، وميل متزايد نحو الانفكاك عن مركزية الدولة، مع مطالبات واضحة بـ”التمكين المحلي”. كما أن رمزية القيادات الدينية والاجتماعية فيها، وثقلها داخل المجتمع الدرزي الممتد بين سوريا ولبنان وإسرائيل، يجعل منها بيئة مناسبة – وفق الرؤية الإسرائيلية – لأي مشروع تفكيكي طويل الأمد.
ولا يخفى أيضًا البعد الاقتصادي في هذه المعادلة، حيث تشتهر محافظة السويداء بثرواتها المائية الجوفية، وتُعد من أغنى مناطق الجنوب السوري بالمياه، في وقت تعاني فيه إسرائيل من شح مائي متفاقم. هذه الثروات تجعل من السويداء خزانًا مائيًا استراتيجيًا، وتضيف سببًا آخر لرغبة إسرائيل في ضمان عدم خضوع هذه المنطقة لسيطرة خصومها، أو على الأقل بقاءها ضمن دائرة النفوذ الهادئ.
كل هذه المعطيات تندرج ضمن رؤية إسرائيلية أوسع تقوم على الحفاظ على حدود آمنة وخالية من التهديدات، وفي الوقت ذاته العمل بهدوء على تفكيك ما تبقى من البنى الصلبة للدولة السورية. إذ بات واضحًا أن إسرائيل، على غرار قوى إقليمية أخرى، تستفيد من حالة الفوضى والهشاشة التي تعصف بسوريا، وتسعى لتكريس واقع جغرافي جديد قوامه كيانات طائفية أو مناطقية ضعيفة، يكون لها وظائف أمنية أو سياسية متناسبة مع مصالحها.
من هنا، فإن العلاقة غير المباشرة بين إسرائيل ومحافظة السويداء ليست مجرد انعكاس لهواجس أمنية، بل جزء من استراتيجية أوسع تتجاوز الحدود وتستهدف إعادة تشكيل جنوب سوريا، وربما سوريا ككل، وفق منطق التفكيك الهادئ والتوسع غير المرئي.
في هذا السياق، تروج بعض التقارير لتكليف قيادات دينية درزية بدور في ضمان استقرار المنطقة، وهو ما قد يُفسر من جهة على أنه تمكين أهلي محلي، لكنه من جهة أخرى قد يُقرأ كخطوة ضمن مشروع أكبر، يسعى إلى نزع الطابع المركزي عن الدولة السورية، وتكريس “جزر حكم ذاتي” تنتظم وفق خصوصيات طائفية أو اجتماعية.
السويداء اليوم في عين العاصفة، لا فقط بسبب توترات داخلية، بل لأنها أضحت حلقة مفصلية في صراع النفوذ على الجنوب السوري، بين من يريد استعادة الدولة السورية ككيان موحد، ومن يعمل بصمت على تفكيكها إلى أقاليم تتحرك وفق مصالح إقليمية متضاربة.