لطالما كان الكفاح طريقًا نحو المعجزات. ومن بين أمواج البحر الأبيض المتوسط، بدأت القصة حين التقى محمد حكيمي وسعيدة موح، مهاجران مغربيان جمعهما الحلم، وربط بينهما قارب واحد نحو أوروبا. من هذه البداية المتواضعة وُلد أشرف حكيمي، الطفل الذي سيحفر اسمه لاحقًا في سماء كرة القدم العالمية.
وُلد أشرف في 4 نوفمبر 1998 بضواحي العاصمة الإسبانية مدريد، وسط حي شعبي متواضع، لأسرة مغربية مهاجرة من مدينة القصر الكبير. والده كان بائعًا متجولًا، ووالدته تعمل في تنظيف المنازل. لم تكن الحياة سهلة، لكن الحلم كان حاضرًا. التحق أشرف بنادي كولونيا أوفيجيفي المحلي، ثم انضم إلى أكاديمية ريال مدريد سنة 2006 وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، ليتدرج بسرعة في فئات النادي الملكي، ويصل إلى الفريق الأول سنة 2017 تحت قيادة المدرب زين الدين زيدان.
خاض حكيمي أول مباراة رسمية له مع ريال مدريد في 1 أكتوبر 2017 أمام إسبانيول، وسجل أول أهدافه ضد إشبيلية في الدقيقة 42 من مباراة بالدوري الإسباني، مؤكدًا أن السرعة، القوة، والموهبة تجتمع كلها في شخصيته. اجتهاده اليومي وصبره الكبير جعلاه يتجاوز العقبات سريعًا، ليصبح في سن مبكرة أحد أبرز الأظهرة الصاعدين في أوروبا.
ورغم أن الاتحاد الإسباني حاول ضمه لمنتخبات الفئات السنية، قرر حكيمي تمثيل المغرب دون تردد. اختار الوطن على الإغراء، والهوية على الفرصة. شارك مع أسود الأطلس في كأس العالم 2018، ثم في ملحمة قطر 2022، حين قاد رفقة زملائه منتخب المغرب لتحقيق إنجاز تاريخي بالوصول إلى نصف النهائي، كأول منتخب إفريقي وعربي يحقق ذلك.
أما على مستوى الأندية، فقد خاض تجارب مميزة بدأت بإعارته إلى بوروسيا دورتموند بين 2018 و2020، حيث لعب 78 مباراة، سجل 12 هدفًا، وتوّج بكأس السوبر الألماني. ثم انتقل إلى إنتر ميلان في صفقة نوعية، وساهم في التتويج بلقب الدوري الإيطالي موسم 2020–2021، قبل أن تضطر إدارة النادي لبيعه بسبب أزمة مالية.
في صيف 2021، انضم حكيمي إلى باريس سان جيرمان بصفقة بلغت 60 مليون يورو. وهناك، بدأ مرحلة جديدة من المجد، توج خلالها بأربعة ألقاب للدوري الفرنسي، لكن الإنجاز الأكبر تحقق في موسم 2024–2025، عندما فاز بدوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي الباريسي. في تلك النسخة، كان لحكيمي دور البطولة بلا منازع، بعدما قدّم 27 مساهمة تهديفية، وسجل أهدافًا حاسمة: هدف قاتل في ربع النهائي ضد أستون فيلا، هدف التأهل في نصف النهائي أمام آرسنال، وافتتح التسجيل في النهائي أمام فريقه السابق إنتر ميلان، قبل أن يعتذر لجماهير “النيراتزوري” احترامًا لفترته هناك.
على المستوى الدولي، وبعد المشاركة التاريخية في مونديال قطر، خاض حكيمي كأس إفريقيا مرتين، وخرج من ربع النهائي في كلتا المناسبتين. لكنه عوّض ذلك في أولمبياد باريس 2024، حيث قاد المنتخب المغربي الأولمبي إلى الفوز بالميدالية البرونزية، رافعًا رصيده إلى 63 مباراة في الموسم، إلى جانب ثلاث بطولات وميدالية أولمبية.
هذا الموسم الاستثنائي دفع الصحافة الأوروبية إلى وضع اسمه ضمن المرشحين البارزين لنيل الكرة الذهبية. موقع “Top Mercato” الفرنسي صنفه في المركز السابع ضمن قائمة العشرة الأوفر حظًا، بفضل أرقامه اللافتة وأدائه المستقر. كما أدرج ضمن التشكيلة المثالية لدوري أبطال أوروبا، ونال جائزة أفضل لاعب إفريقي في الدوري الفرنسي.
ورغم أن مجلة فرانس فوتبول لم تُعلن بعد القائمة الرسمية للكرة الذهبية، فإن النقاش بدأ يشتد حول إمكانية فوز حكيمي بالجائزة، كأول مغربي وأول ظهير أيمن منذ عقود. لكن التحديات ليست قليلة، خصوصًا في ظل تفضيل المراكز الهجومية تقليديًا، والهيمنة الإعلامية لنجوم مثل مبابي، فينيسيوس، وبيلينغهام.
في تصريحات صحفية، قال حكيمي: “شرف لي أن يُعتبرني الناس مرشحًا للكرة الذهبية، لكن هدفي دائمًا هو مساعدة فريقي على الفوز”. أما مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي، فقال بثقة: “أشرف من بين أفضل ثلاثة لاعبين في العالم. نحن خلفه بكل قوتنا”.
في زمن باتت فيه الجوائز الفردية حكرًا على صانعي الأهداف وهدافيها، يفرض أشرف حكيمي نفسه بقوة كنجم استثنائي يعيد الاعتبار للمدافع العصري، ويُبرهن أن المجد قد يبدأ من الخلف. من أزقة مدريد إلى ملاعب أوروبا، ومن قارب مهاجرين إلى مشهد التتويج بدوري الأبطال… إنها قصة لاعب، ورمز، وأمل لجيل بأكمله.
أشرف حكيمي يستحق الكرة الذهبية عن جدارة واستحقاق