الكتابة .. أسئلة الهامش وضرورة دمقرطة الفضاء الثقافي العام.

عبد النور مزين
طبيب أديب ومترجم، باحث في الديناميات الثقافية والهامش.

هذه في الأصل رؤوس أقلام حول الكتابة وبعض الأسئلة المرتبطة بها والتي كانت محور اللقاء الذي نظم بفضاء “داباتيك” بطنجة خلال تقديم رواية رسائل زمن العاصفة. ونظرا للنقاش العميق الذي أثارته خلال اللقاء وما تلى ذلك من محولات تطوير فكرة الكتابة والهامش ومأزق المركزية التي أضحت مركزا رماديا بين شبكات الريع الثقافي المهيكَل أفقيا وعموديا على المستوى الوطني والمغاربي والعربي والإعاقات البنيوية للتطور السليم والديموقراطي لكل تعبيرات المجتمع الثقافية دون إقصاء أو تهميش كحق طبيعي للتواجد داخل الفضاءات العمومية سواء السمعية البصرية أو الفضاءات الثقافية والممولة أساسا من المالية العمومية، أي دافعي الضرائب عبر تلك الشعوب بصفة عامة. وهذا لعمري محور من الأهمية إذ يجب أن يخصص له حيز خاص لما له من انعكاسات العملية التنموية بصفة عامة حيث تقوم الكتابة والثقافة كمحددين رئيسيين في عملية بناء الوعي والتموقع التاريخي، خاصة خلال هذه المرحلة النيوكولونيالية وما تفرضه من وعي ووضوح وديمقراطية.

 

الكتابة وسؤال الحرية

 قد تبدو علاقة الكتابة بالحرية علاقة بديهية لأن بدونها، أي الحرية، تبقى الكتابة منقوصة وتقريبا بلا معنى. وتتعقد الأمور أكثر عندما نغوص قليلا في أسئلة متفرعة مثل ما الحرية؟  عموما؟ وفي زمن ومكان ما؟ نسبيتها؟ الأولويات؟ دور الكتابة في تمثلها، الكتابة ضمنها ومن أجلها؟ وربما ارتباط المفهومين بالتزام الكتابة ببوصلة التغيير كمفهوم آخر يبقى حاضرا في وعي أو لاوعي الكاتب كإجابة عن ضرورة التعبير عن كينونته الذاتية أي هويته.

لذلك ارتأيت أن أبدأ بهاذين المفهومين أولا قبل المرور إلى ارتباطات الكتابة بمفاهيم أخرى.

 

تجربة الكتابة وخصوصية المكان

في دردشة قصيرة وعابرة لكن ذات دلالة كبرى مفادها أن لا معنى للكتابة إلا ارتباطا بمكان ما.

والمكان هنا قد يتعدى المساحة الضيقة لجهة أو بلدة أوحي أو مدينة، ليصل إلى حدود جغرافية قومية، إن أسعفني المفهوم، ارتباطا بمقومات أخرى محددة للهوية، كاللغة والتاريخ، والمكونات الثقافية أو البعد الثقافي المشترك.

هكذا بدا لي أن المكان يتعدى الجغرافية المتعارف عليها، صغرت أو كبرت، إلى جغرافية أخرى مبثوثة في اللغة والكتابة أساسا حيث أن اللغة كما حددها “دي سوسر” كنسق بنيوي مغلق قبل أي أن يفتحه “ديريدا” ويجعل الكتابة في مفهومها الفلسفي تعني الانسان في كينونته حيث اعتبر ألا يوجد شيء خارج النص/ الكتابة.

هكذا كان لتلك الدردشة القصيرة و”العابرة” مفهوم الرجة إذ لا معنى لأي كتابة خارج هذه الجغرافية ببعديها الفيزيقي والفلسفي.

 

الجوار وأسئلة الكتابة

 عندما نأتي على ذكر الجوار فأشياء كثيرة تتبادر إلى الذهن على اعتبار أن كلمات جوار لوحدها غير كافية لتحديد المعنى أن الجوار قد يشير الى القرب أو البعد الجغرافي أو الفيزيقي أيضا لكن قد يتعداه إلى مفهوم آخر، محيلا إلى تجاور أشكال الكتابة وتداخلها ومدى ارتباطها ببعضها البعض أو مفهوم تلك الكتابة الساكنة في التماس بين هذا الجنس الأدبي أو ذاك أو في شكل من التواجد هو تعبير عن نوع من غياب هذه الحدود.  لذلك قد يبدو مفهوم الكتابة المتوسطية، مثلا، أو الشمال مغربية غير بعيدة عما قد يربط مفهوم السرديات بقصيدة النثر أو أدب الهامش.

 

شمال جنوب وأسئلة الكتابة

ومن هنا قد نعرج على علاقتنا بالآخر الذي هو بالضرورة ثاوٍ في لاوعينا وحاضرنا كشعوب عانت وما تزال بأشكال محيَّنة، من الاستعمار. هل تجاوزت الكتابة مرحلة الوعي بمفهوم الاستعمار إلى حدود البحث عن ارهاصات وحفريات المكون الاستعماري العابر لأزمنة الكتابة في تاريخيها، بمعنى منسوب الفكر الغربي في تكوين ونمو الكتابة فيما تلا وجاور فترة ما بعد الكولونيالية. وكيف للكتابة انطلاقا من هذا البعد أن تكون فعلا للحرية وجغرافيا للنص وفي الوقت نفسه حربة للدفاع عن هذه الجغرافيا في بعدها القيمي والثقافي والهوياتي، في تجاور أكثر تعقيدا فيما تجسده العولمة والامبريالية الجديدة وسيطرة البعد الكولونيالي الجديد للتكنولوجيا وجيوش الذكاء الاصطناعي على مشارف ما بنيناه، على ضعفه، من بنيات وممارسات ثقافية عبر الكتابة وغيرها من آليات تشكل الهوية.

 

الهامش وسؤال الابداع .. لماذا نكتب؟ لمن نكتب؟

هنا الهامش يكتسي بعد آخر أكثر دراماتيكية عندما نعي بتلك الهوة التي أزاحت شرائح واسعة من الشعوب عندما فكت الارتباط الكلي بين كل هذه الأسئلة التي لم تصبح متداولة إلا في دائرة تضيق وتضيق ضمن حلقة الأكاديمي والمثقف المتخصص بعيدا عن أي ارتباط بالمسارات العامة للشعوب التي استفرد بها الخطاب السياسي الراهن في شبه انفصال تام يكاد يكون انعكاسا تاما لمفهوم “غرامشي” أذ أصبح هذا الانسلاخ وفك الارتباط نهجا سياسيا ومطلبا أيضا للسواد الأعظم من الساكنة بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

التعليقات مغلقة.