مكناس: تاريخ عريق تحت رحمة ورش ترميم بطيء وعجلة تنمية معطلة

بقلم الصحفي أسامة العماري

تعتبر مدينة مكناس من المدن المغربية العريقة والتاريخية، تقع في هضبة سايس على بعد 140 كيلومتر شرق العاصمة الرباط، وعلى بعد 60 كيلومتر غرب مدينة فاس، وهي ثاني أكبر مدن جهة فاس مكناس من حيث المساحة والتعداد السكاني، رأت النور منذ ما قبل الإسلام حيث استوطنتها قبيلة مكناسة ”إمكناسن” الأمازيغية الزناتية، تحولت فيما بعد إلى مركز حضاري وحصن عسكري مهم في القرن الحادي عشر الميلادي إبان حكم المرابطين للمغرب، كما اتخذها السلطان العلوي المولى اسماعيل عاصمة للمغرب ما بين سنتي 1672 و1727 م.

وتتوفر مكناس على مجموعة من المعالم والمآثر التاريخية الشاهدة على تعاقب الدول التي حكمت المغرب، والتي تغري وتستهوي عشاق السياحة التاريخية من كافة أنحاء العالم بزيارتها، إلا أنه منذ إطلاق مشروع برنامج تثمين المدينة العتيقة لمكناس، والذي تشرف على إنجازه وكالة التنمية و رد الاعتبار لمدينة فاس، تحولت المدينة في السنوات الأخيرة إلى ورش إصلاح وترميم كبير استبشرت الساكنة في بداياته خيرا بغية إعادة رد الاعتبار للمعالم التاريخية والترويج السياحي للمدينة، لكنه تحول إلى معاناة يومية بسبب بطء وتيرة أشغاله وتشويهه لعدد من المعالم الأثرية وتأثيره سلبا على توافد السياح.

 

أبواب مغلقة

منذ أزيد من ثلاث سنوات ظلت معظم أبواب مكناس التاريخية مغلقة سواء في وجه زوارها أو في وجه حركة السير بداعي الإصلاح والترميم. فباب المنصور أضخم أبواب المدينة وأشهرها على سبيل المثال ظل محاطا بواقٍ طُبع عليه مجسم الباب بتقنية رقمية، أفقد للمعلمة جماليتها وغطى معه كل تفاصيل معمارها المغربي. وهو ما ينطبق ايضا على باب البرادعيين الذي حرمت أشغال ترميمه البطيئة سكان الأحياء المجاورة من ركن سياراتهم في الموقف المحاذي له، كما أن أشغال ترميمه طرحت معها تساؤلات كثيرة حول مسألة الحفاظ على تفاصيله المعمارية الأصلية بعد ما تمت إضافة بعض الأقواس في برجيه الجانبيين وهي أقواس مستحدثة لم تكن متواجدة من قبل.

وبالرغم من انتهاء عمليات ترميم بعض الأبواب وإعادة فتحها مؤخرا في وجه حركة السير كباب القصدير وأقواس مدخل حي بني امحمد وباب تيزيمي، وباب الخميس الذي تعثر ترميمه لمرات عديدة، وتسبب إغلاقه في اختناقات مرورية لا تطاق نظرا لتموقعه بجوار المحطة الطرقية للمسافرين وما تعرفه من حركة سير كثيفة، ما تزال أبواب أخرى تنتظر دورها في الإصلاح والترميم كباب بوعماير وباب جامع الأنوار المحاذي لباب المنصور وباب الحجر.

 

صهريج بدون ماء وسقايات مسيجة
لا يمكن الحديث عن معالم مكناس الأثرية دون ذكر صهريج السواني، والذي كان في وقت قريب بمثابة متنفس لساكنة الأحياء المجاورة له، وكورنيشا فريدا من نوعه ينسي الساكنة حرارة صيف مكناس الحار. إلا أنه تحول منذ أكثر من سنتين الى مساحة قاحلة بعد أن تم تجفيف مياهه بدواعي الترميم الذي توقف منذ مدة ليست بالقصيرة، تاركا وراءه الصهريج في وضع بشع يسيء لتاريخه العريق.

أما سقايات المدينة العتيقة فما تزال هي الأخرى تحت رحمة الإصلاح، فبعضها تعرض للتخريب وتحول إلى مكب للنفايات والبعض الآخر تم تسييجه وإحاطته بحواجز معدنية كتلميح لبداية ترميمها الذي لم ينطلق بعد!

 

ساحات بلا حياة ومشاريع متعثرة

ولعل أبرز معالم مكناس التي شملها برنامج التثمين نجد ساحة لهديم، إذ أفقدتها الأشغال البطيئة حركيتها المعتادة ليلا ونهارا باعتبارها القلب النابض للمدينة القديمة، حيث ضاقت مساحتها من كثرة الحواجز المعدنية المستعملة في ورش الترميم، مما أدى إلى اختفاء الحياة منها بعد غياب حلقات الحكايات الشعبية والأنشطة الترفيهية التي تقام في رحابها كل مساء، وتحولها إلى ممر ضيق يعج بالباعة المتجولين في منظر يسيء لتاريخ الساحة ويزيد من متاعب المارة من كثرة الازدحام.

ومن بين المشاريع المتعثرة كذلك نجد مشروع إحداث مرآب تحت أرضي بسعة 400 سيارة بساحة باب الرحى والذي لم تنطلق أشغاله بعد، ومشروع إحداث موقف للسيارات بسعة 300 عربة بساحة زين العابدين وما يعرفه من بطء في الانجاز، إضافة إلى فشل مشروع مرآب ساحة غرفة الصناعة التقليدية بسعة 100 سيارة والذي انتهت اشغال إحداثه إلا أنه مازال مغلقا في وجه السيارات بدون أي سبب يذكر.

وجدير بالذكر أنه على غرار مشروع تثمين المدينة العتيقة لمكناس، ما زالت العاصمة الإسماعيلية في أمسِ الحاجة لمشاريع تنموية كبرى تنهض باقتصادها وتساهم في ترويجها السياحي، أهمها يتمثل في إصلاح طرقات المدينة والإنارة العمومية الكارثية، وتجويد خدمات النقل الحضري الرديئة، وإنشاء محطة طرقية جديدة بدل الحالية ومحطة قطار من الجيل الجديد، وخلق بنية فندقية حديثة ومتطورة، وإحداث حدائق عمومية ومساحات خضراء وملاعب مجانية للقرب وفضاءات لممارسة الرياضة ومركب رياضي كبير، وتوفير فرص الشغل لشباب المدينة الغارق في غياهب البطالة، والذي لا يجد سبيلا سوى في المغادرة بحثا عن العمل.

التعليقات مغلقة.