“العيد كبير”
هل تساءلنا بوما لماذا نسمي أعيادنا هكذا؟ عيد الفطر”بالعيد الصغير” و عيد الأضحى “بالعيد الكبير” هل الأمر مرتبط برمزية معينة؟ أم هو متعلق بالاحتفال وطرقه؟ أو ربما هو عيد كبير لأننا ننحر فيه الأضحية وفي العيد الصغير نكتفي بالحلويات؟؟
قد يقول البعض أنه عيد كبير لأننا نستمر في الاحتفال به ثلاثة أيام متتالية، والبعض الآخر يربط التسمية “العيد الكبير” “بالمصاريف الكبيرة”.
عيد أقرن
“العيد الكبير” أو عيد الأضحى مرتبط بشراء الأضحية، وهنا يتنافس المتنافسون للظفر بالأقرن-الأملح، طبعا هناك من يتبّع في ذلك السنة النبويّة الشريفة، وهناك من ليس له علم بكل ذلك بل يصِّر فقط على شراء كبش كبير كي يتباهى به أمام الجيران والعائلة.
الأضحية بجب أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط كي تكون جائزة نذكر منها: أن تكون من بهيمة الأنعام، أن تكون خالية من العيوب …كما أن للمضحي شروطا وهي الإسلام، البلوغ والقدرة على شراء الأضحية بمعنى أن يمتلك المال الكافي للأضحية (المال الزائد عن قوته يوم وليلة).
لكن ما نلاحظه أن أسرا كثيرة لا تملك هذا المال وتصِّر على شراء الأضحية لدرجة أن هناك من يبيع أثاث بيته لشرائها ومن يستدين (أحيانا دين بالربا) ومن يتسول ومن يسرق هذه الأضحية، هنا يفرض هذا السؤال نفسه؛ هل هذه الأضحية التي الغرض منها التقرب إلى الله واتباع سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، أضحية مقبولة في ظل هذه الظروف؟؟
بأي حال عدت يا عيد
هو فعلا أصبح عيدا كبيرا جدا، وثقله كبير جدا جدا، خصوصا بعدما أضحت حياتنا كلها مناسبات متتالية وباهضة الثمن ومُكلّفة: الدخول المدرسي، رمضان، العيد الصغير، العيد الكبير، العطلة الصيفية، هذا كله متزامن مع التهاب الأسعار ومحدودية الدخل، ناهيك عن من يعيشون البطالة سواء اختيارا أو قسرا، بالإضافة إلى عاداتنا وقيمنا التي تغيرت وجعلتنا نعيش نوعا من الفوضى وعدم الاستقرار.
أصبحنا نتنافس ونلهث وراء هذه المناسبات التي أُفرغت من محتواها ولم يعد لها أي طعم بل أصبحت تشكل عبئا ثقيلا،
فقبل العيد الكل يتساءل هل العرض سيكفي الطلب؟ هل سنجد ما يناسبنا من ناحية الجودة والثمن؟
بعد شراء الأضحية: أين سأتركها؟ منزلي صغير جدا ولا يسعها، ماذا سأطعمها؟ متى يجب التوقف عن إطعامها؟
قبل الذبح: من سيقوم بذبحها؟ الجزار غير متوفر، كل من تتصل به يقول عليك الانتظار هناك عشرة أشخاص قبلك، فما بالك الأثمنة الخيالية التي يطالبون بها مقابل عملية الذبح (هذه العميلة التي كانت تكافلية في السابق)، هنا نجد أنفسنا أمام سؤالين: لماذ تخلى بعض الرجال عن هذه المهمة؟ لماذا لا نجد نساءا يقمن بعملية النحر رغم جواز ذلك عند جمهور الفقهاء؟
بعد الذبح: ربما الكبد مريض والرئة كذلك وتخوفات كثيرة من فساد السقيطة بسبب الحرارة، كيف سنتخلص من جلد الخروف الذي كان يُهيأ سابقا كي يُستعمل ضمن أفرشة المنزل؟
لكل عيده
العيد الكبير، هو مناسبة دينية تؤطرها عادات اجتماعية
ففي هذه المناسبة ينقسم المغاربة لعدة أقسام:
قسم يختار السفر مع عائلته للاستجمام والراحة في أحد البلدان الأوربية ويعفي نفسه من شراء الأضحية وما يتبعها من طقوس وظغوط، لأنه لا يأكل اللحوم الحمراء فهي تتعارض مع الحمية التي يتبعها هو وأسرته للحفاظ على صحته، لكنه يكلف أحد أفراد عائلته كي يشتري له كبشا ويتصدق به على الفقراء والمحتاجين ممن ينتظرون العيد الكبير لأكل اللحم والرأس و الأحشاء.
قسم آخر يصّر على شراء الكبش ويصاحبه بكل الطقوس ولا يغفل طقسا واحدا مستمتعا بتفاصيل المناسبة، مقتنعا أن كبش العيد يجب أن يستهلك في زمن مدته ثلاثة أيام مقسمة بين التوسعة على الأسرة والصدقة والوليمة للعائلة.
لكن هناك من له رأي آخر، فالأضحية يجب أن تستمر طيلة أيام السنة، تفتت هذه الأضحية قطعا صغيرة يحتفظ بها في المجمد حتى تفقد طعمها وقيمتها الغذائية ويُنسِم بها طعامه.
قسم آخر يستغل هذه المناسبة ليتصدق بالأضاحي في سبيل الله (اللهم تقبل منهم)، وهناك من يفعل ذلك رياءا وغرضه التباهي،ّ وهناك من يفعل ذلك كي يشتري الذمم أو الأصوات أو التابعين…
كما أن هناك من ينتظر المناسبة كي ينشر عاهاته وفقره واحتياجه، ويتوسل الأغنياء والمحسنين والجمعيات والوسطاء.
عيد التسول
ففي العيد الكبير يكثر المتسولون؛ “أنا أرملة وأعيل أيتاما”، “أنا مطلقة ولدي أطفالا أريد أن أدخل عليهم فرحة العيد”، “أنا رب أسرة ولا أملك عملا، ساعدوني! “، “أنا شاب وأعيل أسرتي”، “أنا فتاة وأمي مريضة وأود أن أدخل الفرحة إلى قلبها”.
الحالات والعاهات كثيرة وكلهم يستجدون المساعدة لشراء الأضحية.
وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في ظهور وتشجيع هؤلاء المتسولون (سواء الصادقون أو الكاذبون، سواء المحتاجون أو استغلاليو المناسبات).
كما أن هذه الوسائل سهلت عمل الوسطاء “وسطاء الخير”ساعدتهم على الانتشار، ففي كل مرة تطالعنا جمعية أو شخص أو جهة ما تطلب المساعدة مستعينة بآيات قرآنية و أحاديث نبوية أو مستعملة جملا مؤثرة علّها تؤثر في أصحاب النفوس الخيِّرة كي يتصدّقوا على المحتاجين وهم سوف يتطوعون لإيصال الخيرات لوجهتها ولا يريدون من ذلك لا جزاءا و لا شكورا .
كم أنت كبير أيها العيد
في العيد الكبير تكثر حالات الطلاق و تكثر الجريمة؛ و السبب ربما هو هذه العادات التي أصبحت تظغط أكثر من كونها تُفرح، فمن بين الأسباب نجد: صراع الأزواح حول الأضحية وحجمها، في الآونة الأخيرة أصبح النقاش حول من يشتري الكبش؛ الزوج أم الزوجة أو ربما يتقاسمان ثمنها ويكون ذلك سببا للخلاف، مشكل آخر يعاني منه الزوجان ومنذ أمد طويل وهو هل سنقضي العيد مع عائلة الزوج أو مع عائلة الزوجة وهنا يحتدم النقاش ويصبح صراعا فقطيعة بين العائلتين أو طلاقا.
أما فيما يخص الجرائم والجنح فحدِّث ولا حرج ؛ السرقة تكثر بشكل ملفت في هذه المناسبة إذ هناك من يتصيد الأشخاص في الأسواق لسرقتهم، وكذلك كثرة الشجارات و الخصومات التي يمكن أن تصل لدرجة القتل أو الإصابات بالجروح الخطيرة، فلا يمكن أن ننسى جرائم حدثت بسبب العيد الكبير؛ زوج يقتل زوجته أو العكس، صراعات وشجارات بين البائع والمشتري، نزاعات بين الجيران بسبب الكبش الذي يزعح بصوته …
و في الختام نقول أن عيد الأضحى “العيد الكبير” هو سنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه و سلم يُثاب فاعلها و لا يُعاقب تاركها.
حنان عزوز
عيد الأضحى المبارك بتفاصيله المغربية الإيجابية منها والسلبية التي أصبحت سائدة بكثرة خلال هذه السنوات الأخيرة…. كل ذلك اجتمع في مقال واحد متقن من كل الجوانب ومعبر عن الوضع الحالي الذي تعيشه أسر عديدة خلال هذه الأيام المباركة.
مقال رائع وصاحبته رائعة في كل كتاباتهت و إبداعاتها.
وفقك الله أستاذة حنان.
دمت مبدعة
حفظك الله